التصفح للزوار محدود

تجربتي الأولى مع مقعد الدراسة ( 2 )

فارس عمر

مشرف منتدى القصص والرواياترياضات وإبداعـات متحدي ا
شكلنا مجموعة صغيرة , من بعض الأصدقاء والمعارف الراغبين بتعلم اللغة التركية وتعاقدنا مع مخبر لغة واتفقنا مع أحد المدرسين القادرين . وحدننا بداية الكورس .
دخلت أول الطلاب وجلست بالصف الأمامي , أخرجت من حقيبتي كتبي وكراساتي وأقلامي ووضعت نظارة القراءة , وتنهدت بعمق .
انتابني قلق الطالب الصغير المقدم على شيء جديد , خشيت الفشل من قدرتي على استيعاب لغة جديدة , وخشيت من نظرات الطلاب الآخرين في حال فشلي , وأنا أكبرهم سناً , ومعنا طلاب بسن أصغر أبنائي .
مع باقي الطلاب صرت أردد بصوت عال طريقة نطق الحروف لهذه اللغة , كأطفال حضانة في درسهم الأول دهشة وخوفا ورهبة . كان صوتي مميزاً بين أصوات الآخرين , صوت اعتاد أن يكون واضحاً وعالياً طيلة ربع قرن مضى في تدريس مادة التربية البدينة ضمن مساحة ملعب كبير يجب أن يصل إلى كل الطلاب .
لكن الشباب تشجعوا وبدأوا برفع أصواتهم بدل أن تكون منخفضة خجولة متلعثمة .
في المنزل صرت أكرر الدرس الأول أمام عائلتي وبصوت مسموع , راغباً في حفظ الحروف وطريقة نطقها , ومحاولا حفظ الكلمات الأولى التي تعلمتها , وفهم درس القواعد الأول .
وبدأ أفراد أسرتي بالابتسام ثم الضحك , ثم توالت التعليقات .
قالت ابنتي : هل يعطي أستاذكم مرحى للطالب الشاطر بابا ؟
قال ابني الصغير بخبث : أراك تجتهد بابا !! أستاذكم يعاقب الطالب الكسول يعني ؟
علقت والدته : لا تخشى على والدك من العقاب , فهو يعرف كيف يتحاشى ذلك , أنا أعرفه .
ضحكت معهم , وقلت يا جماعة : خلوّنا نعرف ندرس , أحسن ما ناخد بكرة علامة الصفر , ويتصلوا بولي أمرنا أمكم المصونة .
عقبت ابنتي موجهة الكلام لوالدتها : ماما !! إذا اتصل الأستاذ وفال : ابنكم طالب كسول وما خرجه علم , شو بتعملي ؟ بتبعتيه عالصناعة يتعلم مصلحة ؟؟؟ .
طيييييييييييييييب أنا بفرجيكم كلكم , إذا ما راح اطلع الطالب الأول بالامتحان . ساعتها أحكوا .
وتابعت القراءة بصوت أعلى .

مضى الدرس الأول ومضت معه الرهبة والخجل , وبدأت شقاوتي .
كمدرس مخضرم عتيق يعرف مداخل ومخارج شقاوة التلاميذ تفرست بوجه الأستاذ ودرسته من خلال نبرة صوته ومخارج الحروف لديه ونظراته وحركات يديه وجسده , فشكلت انطباعاً سريعاً عن شخصيته .
إنه طيب القلب وخلوق وهادئ . وخبرته قليلة بالتعامل مع صف كامل .
عظيم ... يجب أن أبدأ برمي قنبلة الاختبار .
سأل الأستاذ أحد الدارسين وهو مدرس بالثلاثين من عمره سؤالاً بسيطاً ويبدو أن صاحبنا لم يفهم السؤال , فتلعثم وخجل وأطرق مفكراً .
قلت : أبو أنس !!!!!!!! بالظاهر مبارح ما فضيت تحفظ درسك ؟ أليس كذلك ؟ طلبت منك أم أنس تحمل الصغير حتى تنهي عملها ؟؟؟؟
وقهقه الطلبة ومعهم أستاذنا , إلا أبو أنس , فقد جلس وتصبب عرقاًً .
أضاف أحدهم : يا سيدي أبو أنس كان أمس لديه مهمة نشر الغسيل على السطح .
وانفجر الطلبة والأستاذ مرة أخرى بالضحك . وأبو أنس ينظر إليّ نظرة عتاب .
نهضت واقفاً واتجهت صوب الطلبة وقلت بصوت مرتفع : انتهى , ولا كلمة . صحيح طلاب مشاغبين .
سكت الكل ونظرت للأستاذ الذي مازال مبتسماً وقلت له : وأنت أستاذ , أيضاً ... انتهى .
فضحك الكل مرة أخرى لكن هذه المرة شارك أبو أنس بالضحك من أعماق قلبه .ثم تابعنا الدرس بروح طيبة , بعد أن مرّ علينا وقتاً حلواً بعد الملل الذي شعرنا به قبل الضحك
في الاستراحة , جلست قرب الأستاذ . فقال لي : أتدري أستاذ فارس ؟ أنا أعرف تماماً أن تعلم لغة جديدة يتطلب تعباً وتركيزاً وأعرف أنكم ستشعرون بالضيق والملل , لذلك عندما أعطيك إشارة ما , لوحدك افهم أن الصف صار بحاجة لقليل من المرح ليستعيد حيويته . . واتفقنا على ذلك .
إن جو المرح المسيطر عليه , من الأمور الهامة في إشاعة جو من الرغبة في تقبل الدروس .
يوماً فيوماً , بدأت علائم تقدمنا بتعلم اللغة الجديدة . وازدادت أواصر المحبة والألفة بيننا , وكان للحظات المرح والمشاغبة التي أوجهها بين الدارسين , أثراً طيباً في تلقي تلك اللغة وفي نشر المودة بيننا .
كنت أحرص فعلاً على فهم ما يقوله الأستاذ , وفي المنزل كنت أنكب على مراجعة وحفظ دروسي , فالرغبة موجودة , والقدرة متوفرة , والحمد لله , وكان لسني وإعاقتي دوراً في دفعي للاجتهاد , فنلت احترام أستاذي وزملائي , فلم أشعر أن أحداً رأى إعاقتي أو ركّز عليها . كان الجميع يلتفون حولي في الاستراحة ويطلبون العون والاستفسار عن بعض الأمور المتعلقة باللغة .
عندما نجحت بالامتحانات بعلامات ممتازة , ونلت مرحلة المبتدئ باللغة التركية . ويحق لي الآن الإلحاق بالبرنامج الدراسي المعتمد من قبل مؤسسة ( تومار ) وهو معهد اللغات التركي الوطني الذي يدرس اللغة التركية للأجانب في كل المدن التركية وفي المراكز الثقافية التركية الموجودة في بعض العواصم العربية .
قررت أن أذهب لتركيا للالتحاق بكورس الصف الأول , والتي تستغرق مدة شهر كامل بمعدل أربع ساعات يومياً . إن عدد الكورسات المعتمد للطلبة الأجانب 12 كورساً .
رغم توفر تلك الدورات في دمشق وحلب وبأسعار رمزية جداً ضمن المراكز الثقافية التركية في سوريا .


وإلى اللقاء بالحلقة التالية , ورحلة التحدي إلى تركيا بمفردي .


 
أردت فقط أن أسجل حضوري وأوقع في سجل المتابعين .. وراجع لك في اقرب فرصة لمتابعة تفاصيل رحلتكم الميمونة لتركيا المصونة!! .. ..

afaf​
 
شكراً لتواجدك
د . عفاف العزيزة .
ستكون رحلة رائعة مليئة بالتحديات والفائدة .
 
رااااااااااائع جدا عمو فارس

عشنا معك في الجو الدراسي والمرح"

بارك الله فيك واسعد قلبك دائما وكل احبتك"

وفي انتظار المغامرة والرحلة المشوقه لك في تركيااا"
 
شكراً لمتابعتك وتشجيعك عمو : ام حسام
جعل الله كل أيامك سعادة وسرور .
 
ما شاء الله عليك أخي !

وقائع جميلة مُضحكة و جادة...

بفترة الدارسة بالجامعة كنتُ تعلمتُ العبرية .. وكما قلتَ بالفعل صرت أحس نفسي مثل الطفل بالصف الأول :^_^:

مُتااااااااااااابع معك إن شاء الله
 
فتى غزة
تسعدني جداً تعقيباتك الجميلة .
ذكرتني باللغة العبرية .
كانت لغة تعطى لطلاب كليات التاريخ واللغة العربية في جامعة دمشق أيامها .
وكان يدرس تلك اللغة الأستاذ : ربحي كمال رحمه الله . وكان يدرس العبرية يومها في أغلب الجامعات العربية ومنها جامعة عمان .
أذكر تماماً تلك الأيام وطريقته في تعليمنا تلك اللغة .
يجب أن نكرر خلفه الكلمات الأولى . لقد أتقنتها يوماً وأعطيت بعض الدروس بعد تخرجي لطلاب السنة الأولى .
لكن ولطول الفترة التي لم أتكلم بها . نسيت أكثرها .
 

عودة
أعلى