التصفح للزوار محدود

3) نحو التربية: إرشاد علاجي عن الكذب 02


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربي ومولاي وكفى
وصلاة وسلاما على الخليل المصطفى

إرشاد علاجي عن الكذب (المقالة الثانية)

أشكال الكذب لدى الأطفال:
1- كذب التَّقليد: يقوم الطِّفل بِمُلاحظة وتقليد سلوك الوالِدَين أو المُحيطين به.
2- كذب اللَّذة: يُمارسه الطِّفل لتأكيد قدراته على الإيقاع بالآخرين والنَّيل منهم، وهو شبيهٌ بالكذب العدواني.
3- الكذب الكيديُّ: يلجأ إليه الطِّفلُ لِمُضايقة مَن حوله؛ نتيجةَ مَشاعر الغيرة، أو إحساسه بالظُّلم والتَّفرقة.
4- الكذب العدواني السَّلبي: يتبنَّى الطِّفل أعذارًا غير حقيقيَّة، أو مبالغًا فيها؛ ليواصل سلبيَّته عندما يُطلب منه عملٌ ما.
5- كذب التفاخر: يلجأ الطفل إلى تعويض النَّقص الذي يَشعر فيه بتضخيم ذاته ومكانته الاجتماعيَّة وممتلكاته بين الآخَرين.
6- الكذب الادِّعائي (المرَضي): ادِّعاء الطِّفل بأنه مضطهَدٌ أو محروم، أو يعاني من المرض؛ بهدف الحصول على الرعاية والاهتمام والعطف.
7- كذب الانتباه: يَلجأ إليه الطفل عندما يَفقد اهتمام مَن حوله رغم سلوكيَّاته الصَّادقة؛ من أجل نَيْل الاهتمام والانتباه.
8- الكذب الخيالي: سعَة خيال الطِّفل تدفعه إلى تحقيق مشاعر النَّجاح، وتحقيق الذَّات من خلال أوهامٍ ورغبات غير واقعيَّة؛ فالطِّفل الصغير لا يميِّز بين الحقيقة والخيال، ومِن هنا فإنَّ كلامَه يكون قريبًا من اللَّعب، فيتحدَّث وكأنه يلعب ويتسلَّى، ويكون حديثه نوعًا من التعبير عن أحلام طفولته، أو ما يُطلَق عليه (أحلام اليقظة)، التي تعبِّر عن رغباته وأمنياته التي يصعب التعبير عنها في الواقع.
وهذا النوع من الخيال لا يُعدُّ كذبًا، ولا يُنذِر بانحرافٍ سلوكي، أو اضطراب نفسي، وقد يُلفِّق طفلٌ عمره أربع سنوات قصَّة خيالية؛ حيث تختلط الأفكار عنده، فلا يفرِّق بين الصَّواب والخطأ، أو الحقيقة والخيال... هذه القصَّة يجب ألاَّ يُنظَر إليها على أنَّها كذب مما نتَعارف عليه؛ حيث إنَّ خياله قادرٌ على أن يَجعل من الأوهام حقيقةً واقعة.
9- الكذب الدِّفاعي: يتخَّلص الطفل من الموقف عن طريق نَسْبِه إلى الآخَرين، ويعدُّ من أكثر أنواع الكذب شيوعًا بين الأطفال، وتَجدر الإشارة إلى أنَّ أكثر ما يدفع الطِّفلَ إلى الاستمرار في الكذب هو شعورُه بِنَفْعه.

الخطوات المتَّبعَة:
1- حثُّ الأطفال على قول الصِّدق دائمًا، مهما تكون النتيجة.
2- التَّعاون مع المُربِّين، وجعلهم قدوةً للطُّلاب.
3- الاهتمام الدِّيني، وإعطاء أمثلةٍ حقيقيَّة للصِّدق، وبيان أجْر الصادق وعقوبة الكاذب.
4- عمل لافتاتٍ إرشاديَّة عن الصِّدق في أماكنَ متفرِّقة في المدرسة والمَنْزل؛ لدعم الصِّدق في نفوس الأطفال.
5- هذه اللافتات تحتوي على: أقوال عن الصِّدق؛ مثل:
قول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن الصِّدق يهدي إلى البِرِّ، وإن البِرَّ يهدي إلى الجنَّة، وإن الرجل يَصْدق حتَّى يكتب عند الله صدِّيقًا، وإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النَّار، وإنَّ الرجل يَكذب حتَّى يُكتَب عند الله كذَّابًا)).(1)
قول عمر بن عبدالعزيز": إذا وافق الحقُّ الهوى، فهو ألَذُّ مِن مَذاق العسل".
قول عبدالله بن عمر بن الخطَّاب" - رضي الله عنه -: الإيمان أن تُؤْثِر الصِّدق - حتَّى لو كان يضرُّك - على الكذب حتَّى لو كان ينفعك".
عبَّاس العقَّاد: "إذا عجز القلب عن احتواء الصِّدق، عجز اللِّسان عن قول الحق".
ابن القيِّم: "بالصِّدق تميَّزَ أهلُ الأيمان عن أهل النِّفاق، وسُكَّان الجِنان من أهل النِّيران، وهو سيف الله في أرضه، الذي ما وُضع على شيءٍ حتَّى قطعَه".
6- مشاركة الطُّلاب في عمل إذاعةٍ مدرسيَّة متكاملة عن الصِّدق.
7- تدعيم الجانب الدِّيني لدى الطُّلاب؛ حيث إنه أساس علاج الاضطرابات النفسيَّة عمومًا.
8- دخول فصول المدرسة، وحثُّ الطلاب على الأخلاق الكريمة.
9- الاهتمام بقول الصِّدق، حتَّى لو كان يضرُّك.

وهناك أيضًا:
1- أن تكون البيئةُ المحيطة بالطِّفل بيئةً صالحة، والجميعُ فيها صادقين، يشكِّلون قدوةً حسنة، ويَصْدقون مع أطفالهم، وأن يَفعلوا ما يقولونه، مستذكرين الآيةَ الكريمة: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]، ثم تهيئة الأجواء النفسيَّة المريحة في الأُسرة؛ فالشَّخص المطمئِنُّ لا يكذب، أمَّا الشخص الخائف فيلجأ إلى الكذب كوسيلةٍ للهروب من العقاب.
2- إذا اعترَف الطِّفل بِذَنبه، فلا داعي للقصاص؛ لأنَّ مَن اعترف يَجب أن يُكافَأ على هذا الاعتراف، مع التوجيه الدقيق؛ شرطَ ألاَّ يستَمْرِئَ الوقوعَ في الكذب.
3- القيام بتشجيع الطفل على قول الصِّدق، وتزيينُ ذلك شعرًا ونثرًا، وتذكيرُه بقول الشاعر العربيِّ:
الصِّدْقُ فِي أَقْوَالِنَا أَقْوَى لَنَا *** وَالكِذْبُ فِي أَفْعَالِنَا أَفْعَى لَنَا
وليس دَورُنا كشْفَ الوجوهِ البلاغية والمُحسِّنات اللَّفظية في هذا البيت؛ فذلك سيَدْرسه الطِّفل في مراحل لاحقة، وأن تزوِّده بالمثَل القائل أيضًا: "الكذَّاب كذَّاب، ولو صدَق".
4- الترَوِّي في إلصاق تُهمة الكذب بالطِّفل، قبل التأكُّد؛ لئلاَّ يألف اللَّفظة ويَستهين بإطلاقها: كأن نتَّهِمه بالكذب ثمَّ نصحب هذا الاتِّهام بعد ذلك، ثم إنَّ هذا يُضعِف من موقفنا التربويِّ، ومن قيمة أحكامِنا القابلة للنَّقْض من نحوِ أنفسنا في برهةٍ وجيزة، وحريٌّ بالآباء والمدرِّسين التنبُّه إلى هذه المسألة، أضف إلى ذلك أن الاتِّهام العشوائيَّ - والذي لم يَثبت صِدقُه - يُشعِر الطِّفل بروح العداء والكراهية نحوَنا، ولْيَكن شعارنا: كلُّ إنسان بريء، حتَّى تثبت إدانته، وليس العكس.
5- بعض الآراء التربويَّة في هذا المجال تُشير إلى أنَّه من القواعد المتَّبَعة في مكافحة الكذب: ألاَّ نترك الطفل يُمرِّر كذبته على الأهل والمدرسة؛ لأنَّ ذلك يشجِّعه ويُعطيه الثِّقة بقدرته على ممارسة الكذب دائمًا، فبمجرَّد إشعارِنا له أنَّنا اكتشفنا كذبَه، فهو سوف يُحْجِم في المَرَّات التالية عن الكذب، وللتذكُّر بأنَّ إنزال العقوبة - بعد الاعتراف بذنبه - يُعدُّ كأنَّه عقوبة على قول الصِّدق، فيجب التَّسليم - ولو لمرَّاتٍ - بأنَّ الاعتراف بالخطأ فضيلة.
6- العَدالة والمُساواة بين الإخْوة.
7- تنمية ثقة الطِّفل بنفسه.
8- المعالجة النفسيَّة للمصابين بالعُقَد.
9- التزوُّد بالقِيَم الدينية. {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 80].

وهنا نقدِّم بعض التوصيات للأمَّهات والآباء؛ لعلاج الكذب:
1- إشباع حاجات الطِّفل بقدر المستطاع، والعمل على أن يُوَجَّه الطِّفل إلى الإيمان، وتوجيه سلوكه نحو الأمور الَّتي تقع في دائرة قدراته الطبيعيَّة؛ مما يجعله يشعر بالسَّعادة والهناء، عكس تكليف الطِّفل بأعمالٍ تَفُوق قدراته؛ مما يؤدِّي إلى الفشل والإحباط والكذب.
2- أمَّا علاج الأطفال الذين يَميلون إلى سَرْد قصصٍ غير واقعيَّة؛ فيأتي عن طريق إقناع الطِّفل بأنَّك ترى فعلاً في قصته طريقةً، ولكنَّك بالطَّبع لا تفكِّر في قبولها أو تصديقها كحقيقة واقعيَّة، أفضل من العقاب البدَنِيِّ الشديد.
3- يجب أن يَشعر الطِّفل بأنَّ الصِّدق يجلب له النَّفع، وأنه يخفِّف من وطأة العقاب في حالة ارتكاب الخطَأ، وأن الطِّفل الذي يكذب ويتَصنَّع الكذب يؤدِّي إلى فقدان الثِّقة بالنفس والحرمان، وعدم احترام الآخَرين له.
4- أمَّا دور الآباء والأمهات، فيجب أن يكون حلُّهم لمشكلات أطفالهم عن طريق التفكير العلميِّ الموضوعي السَّليم، وليس عن طريق العقاب الشديد، واحترام الطفل والثِّقة؛ لأنَّ الأب والأمَّ اللَّذَيْن يقومان بدور المُخبِر السرِّي عن صدق ابنه يُشعِره بعدم الثِّقة به، أمَّا إشعار الطِّفل بأنَّه محَلُّ احترامِ الجميع وثقتهِ فلا يَدْفعه للكذب.

ويجب أن نهتم أيضًا بـ:
1- التربية بالقصَّة الحقيقية الهادفة: حيث نَختار أكثرَ القصص الحقيقيَّة الغنية بكلِّ ما نُريد أن نربِّي أولادنا عليه.
2- التربية باللَّعب الهادف: إن اللعب له أغراضُه التربويَّة التي تعمل على بناء شخصيَّة الطِّفل في جوانبها المتعدِّدة، فهو يُقوِّي جسمه، ويُنمِّي تفكيره، ويمدُّ آفاق التواصل الاجتماعي.
3- العادات السَّليمة: إنَّ تحويل السُّلوك المطلوبِ إلى عادةٍ من الوسائل المهمَّة في التربية، وهذا يحتاج إلى الإصرار على تحويل السُّلوك المرغوب فيه إلى عادة، فيكرِّره كثيرًا، ويُتابع ذلك متابعةً شديدة، ثم بعد فترةٍ يصير ذلك عادةً لدى الطفل.

4- المسابقة والسؤال:
أي: المسابقة بين الطُّلاب فيمن يقدر على الجواب، ويكون جواب السؤال يخدم قضية الصِّدق.
حيث قال الشاعر:
تَعَوَّدْ صَالِحَ الأَخْلاقِ إِنِّي *** رَأَيْتُ الْمَرْءَ يَأْلَفُ مَا اسْتَعَادَا
5- الثواب والعقاب: عن طريق التَّعزيز السَّالب (للكذب)، والتعزيز الموجب (للصِّدق).
6- الحوار والإقناع: اللُّجوء إلى الحوار، ومحاولة الإقناع وإقامة الحجَّة بالدليل.
7- تجنُّب الإحباط والتثبيط: الثَّناء والتشجيع لَهما دورٌ كبير في التأثير على عطاء الطَّالب.

--------------------------------
1) قلت: أخرجه البخاري برقم 6094. ومسلم برقم 2607
 
رد: 3) نحو التربية: إرشاد علاجي عن الكذب 02

موضوع قيم ونصااائح رااائعه


بارك الله فيك وجزاك خيرااا على مجهودك المتميز
 

عودة
أعلى