من أسرار البيان في القرآن (آيتين من سورة البقرة)

البوتاني

التميز
يقول الله تعالى : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين . ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ) ( البقرة ، 94 - 95 ) . ويقول سبحانه : ( قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين . ولا يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ) ( الجمعة ، 6 – 7 ) تضمنت هذه الآيات خطاباً لليهود على إثر ادعائهم الدعاوى الكاذبة ، حيث زعموا أن الدار الآخرة - وهي الجنة – خالصة لهم من دون الناس ، كما ادعوا أنهم أولياء الله المصطفون وشعبه المجتنبون .
ولقد أرشد الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : أيها اليهود إن كنتم صادقين في قيلكم : إنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت ، فإن الله لا يعذب أولياءه ، بل يكرمهم وينّعمهم ، وفي الموت أيضاً راحة لكم من كرب الدنيا وهمومها وغمومها ، وانتقال بكم إلى الجنان . والأمر في قوله : ( فتمنوا ) في الآيتين معاً ليس على حقيقته ، لأنهم لن يفعلوا ذلك بحال ، ولكنه خرج إلى معنى التعجيز ، وهذا التعجيز فوق أنه متضمن تحديهم فإن فيه إظهار كذبهم في دعواهم ، ولذا قيل : إن الأمر هنا كناية عن التكذيب ، كقوله تعالى : ( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) ( آل عمران ، 93 ) (3) ، ونتيجة لدعواهم الفجة فقد جعل بعضهم صيغة الأمر متضمنة التبكيت والسخرية ، بالإضافة إلى معنى التعجيز (4) . قوله تعالى : ( إن كنتم صادقين ) تعليق تمنيهم الموت على كونهم صادقين وهم ليسوا بصادقين فيه زيادة بيان في تسجيل كذبهم ، وإلجاء لهم حتى يلزمهم ثبوت شكهم فيما زعموه . ثم أخبر سبحانه أنهم لن يجرؤا على تمني الموت بسبب شرورهم ، وهذا أكبر دليل على فريتهم المتقدمة . قال الزمخشري : " وهذا من المعجزات لأنه إخبار بالغيب ، فإن قلت : ما أدراك أنهم لم يتمنوا ؟ قلت : لأنهم لو تمنوا لنقل ذلك كما نقل سائر الحوادث ، ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولي المطاعن في الإسلام أكثر من الذر ، وليس أحد منهم نقل ذلك " (5) .
وإن اليهود يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم كذابون ، ويعلمون في قرارة أنفسهم صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، ولذا لم يكن يدور بخلدهم التفكير في الموت ، لأنهم لو تمنوه لماتوا من فورهم ، ولرأوا مقاعدهم من النار ، كما ثبت ذلك من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (6) . يقول أبو حيان : " أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى تمني الموت وأن يعلمهم أن من تمناه منهم مات ، ففعل النبي عليه الصلاة والسلام فعلم اليهود صدقه فأحجموا عن تمنيه فرقاً من الله (7) .
ومع أن هذه الآيات في السورتين معاً ذات مضمون متقارب ، إلا أن ثمَّ ما يستوقف القارئ ويستدعي فهمه ، وهو أننا نقرأ في سورة البقرة قوله سبحانه : (ولن يتمنوه أبداً ) ، وفي سورة الجمعة : ( ولا يتمنونه أبداً ) فما سر هذا التفاوت ؟
أي لم جاءت آية البقرة بحرف النفي ( لن ) وآية الجمعة بحرف النفي ( لا ) ؟
إذا عرجنا بادئ الرأي على علماء العربية ألفيناهم يذكرون أن ( لن ) أبلغ في التعبير من ( لا ) ، أو كما يقول ابن يعيش : " اعلم أن ( لن ) معناها النفي ، وهي موضوعة لنفي المستقبل ، وهي أبلغ في نفيه من ( لا ) لأن ( لا ) تنفي ( يفعل ) إذا أريد به المستقبل و ( لن ) تنفي ( فعلاً ) مستقبلاً قد دخل عليه السين وسوف " (8) . وحين نعود إلى الآيات متأملين في معانيها يتجلى لنا أن دعوى اليهود التي أوردتها سورة البقرة أعظم من دعواهم التي تحدثت عنها سورة الجمعة . ففي سورة البقرة ادعوا الجنة ، وفي آية الجمعة ادعو الولاية ، ومعلوم بداهة أن الجنة فوق مرتبة الولاية ، بل الولاية وسيلة من وسائل الظفر بالجنة، جعلنا الله من أهلها . وعلى ذلك جاءت ( لن ) لنفي الأعظم .
يقول الكرماني : " ولما كانت دعواهم في سورة البقرة بالغة قاطعة ، وهي كون الجنة لهم بصفة الخلوص ، بالغ في الرد عليهم بـ ( لن ) ، وهو أبلغ ألفاظ النفي ، ودعواهم في الجمعة قاصرة مردودة ، وهي زعمهم أنهم أولياء الله ، فاقتصروا على ( لا ) " (9) . الحواشي (1) التحرير والتنوير 24/387 . (2) الشفا 1/389
 
رد: من أسرار البيان في القرآن (آيتين من سورة البقرة)

بااااااااااااارك الله فيك أخي أبو دعاء وجزاك خير الجزاء!
 
رد: من أسرار البيان في القرآن (آيتين من سورة البقرة)

جعل مثواك الفردوس الاعلى ياااااااااااا رب وجميع المسلمين
جزاااااااااااااااااك الله خير الجزاء
تقديري
 
رد: من أسرار البيان في القرآن (آيتين من سورة البقرة)

اميييييييييييييييييييييييييين اختى و ماما
وجزكن بالمثل و جمعنا فى الجنه يارب معا تحياتى وودى
ها قد دمعت عيناى
فكرت بهذا لحظات سبحان الله
تحياتى وودى اختى وماما
 

عودة
أعلى